فصل: كِتَاب الرَّهْن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.كِتَاب الرَّهْن:

وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ كِتَابِ الرَّهْنِ وَكِتَابِ الصَّيْدِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ حُصُولُ النَّظَرِ لِجَانِبِ الدَّائِنِ وَالْمَدْيُونِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهَا دِرْعَهُ» وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيُعْتَبَرُ بِالْوَثِيقَةِ فِي طَرَفِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْكَفَالَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (هُوَ) أَيْ الرَّهْنُ لُغَةً الْحَبْسُ مُطْلَقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِجَزَاءِ عَمَلِهَا وَيُقَالُ قَلْبُ الْمُحِبِّ رَهْنٌ عِنْدَ حَبِيبِهِ وَقِيلَ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا أَيِّ شَيْءٍ كَانَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَقَدْ يُطْلَقُ الرَّهْنُ عَلَى الْمَرْهُونِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ وَحِينَئِذٍ يُجْمَعُ عَلَى رِهَانٍ وَرُهُونٍ وَرُهُنٍ وَشَرْعًا (حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (كَالدَّيْنِ) أَيْ مِثْلُ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى إذَا ارْتَهَنَ بِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا كَالرَّهْنِ بِالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَالْمُرَادُ بِالشَّيْءِ هُنَا الْمَالُ وَلِذَا قَالَ الْبَعْضُ هُوَ حَبْسُ الْمَالِ بِحَقٍّ كَمَا قِيلَ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ فَصَارَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْعُمُومِ إلَى الْخُصُوصِ وَيُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا مَا يَعُمُّ الدَّيْنَ الْوَاجِبَ حَقِيقَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ كَالدُّيُونِ فِي الذِّمَّةِ أَوْ حُكْمًا كَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا مِثْلِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ الْمِثْلُ وَالْقِيمَةُ وَمَالُهُمَا إلَى الدَّيْنِ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ قِيمَتِهِ هَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا عِبَارَةُ الضَّمَانِ فَرَدُّ الْعَيْنِ وُجُودُهَا خَلَاصٌ عَنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَبِخِلَافِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِي الْإِصْلَاحِ.
وَفِي الشَّرِيعَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ لَا حَبْسُ الشَّيْءِ بِحَقٍّ لِأَنَّ الْحَابِسَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ لَا الرَّاهِنُ بِخِلَافِ الْجَاعِلِ إيَّاهُ مَحْبُوسًا انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّازِمَ فِي الرَّهْنِ الشَّرْعِيِّ كَوْنُهُ مَقْبُولًا وَمَحْبُوسًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ إذْ مُجَرَّدُ جَعْلِ الرَّاهِنِ الشَّيْءَ مَحْبُوسًا لَا يُفِيدُ بِدُونِ مُطَاوَعَةِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ آخِذٌ الْحَقَّ مِنْهُ تَدَبَّرْ (وَيَنْعَقِدُ) الرَّهْنُ (بِإِيجَابٍ) مِنْ الرَّاهِنِ بِأَنْ قَالَ رَهَنْتُكَ هَذَا الْمَالَ بِدَيْنٍ لَكَ عَلَيَّ (وَقَبُولٍ) مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْعَقْدِ غَيْرَ لَازِمٍ لُزُومًا شَرْعِيًّا (وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَبُولِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ شَرْطٌ وَالظَّاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ رُكْنٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِيجَابُ رُكْنٌ وَالْقَبُولُ شَرْطٌ أَمَّا الْقَبْضُ فَشَرْطُ اللُّزُومِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ الْجَوَازِ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ شَرْطُ اللُّزُومِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْكَنْزِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ انْتَهَى وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا فَيَلْزَمُ بِهِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاللُّزُومِ هُوَ الِانْعِقَادُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ لَمَا قَالَ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ إذْ اللَّازِمُ لَا يَحْتَاجُ فِي تَمَامِهِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ تَدَبَّرْ (مَحُوزًا) أَيْ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ حَالَ كَوْنِهِ مَجْمُوعًا احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَرَهْنِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَحُزْهُ أَيْ لَمْ يَجْمَعْهُ وَلَمْ يَضْبِطْهُ حَالَ كَوْنِهِ (مُفْرَغًا) عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ عَكْسِهِ وَهُوَ رَهْنُ الشَّجَرِ دُونَ الثَّمَرِ وَرَهْنُ الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ وَرَهْنُ دَارٍ فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ حَالَ كَوْنِهِ (مُمَيَّزًا) عَنْ اتِّصَالِهِ بِغَيْرِهِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ كَرَهْنِ نِصْفِ الْعَبْدِ أَوْ الدَّارِ وَفِي الدُّرَرِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا مَا قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ وَالثَّانِيَ عَنْ الْمَشْغُولِ وَالثَّالِثَ عَنْ رَهْنِ ثَمَرٍ عَلَى الشَّجَرِ دُونَ الشَّجَرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ النَّظَرِ تَدَبَّرْ.
(وَالتَّخْلِيَةُ) هِيَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ (وَفِي الْبَيْعِ قَبْضٌ) أَيْ فِي حُكْمِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ حَتَّى إذَا وُجِدَتْ مِنْ الرَّاهِنِ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَضَاعَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ كَمَا أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الْبَيْعِ قَبْضٌ كَذَلِكَ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَقْدِرُ عَلَى التَّخْلِيَةِ دُونَ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ لِكَوْنِهِ فِعْلَ الْغَيْرِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ وَلِذَا قِيلَ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمٌ إلَّا أَنَّ ذِكْرَ الْقَبْضِ هُنَا أَبْلَغُ وَأَنْسَبُ مِنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْقَبْضَ كَانَ مَنْصُوصًا فِيهِ فَصَارَ مَخْصُوصًا بِهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَبْضَ لَا يَثْبُتُ بِهَا فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ كَمَا فِي الْغَصْبِ لِأَنَّ الْقَبْضَ هُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ قِيلَ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ الْمَشْرُوعِ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْبِ الْمَمْنُوعِ.
وَفِي الْمِنَحِ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكْفِي التَّخْلِيَةُ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ إذَا الْقَبْضُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ عَلَى شَرْطِيَّةِ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِالرَّهْنِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مَتَى قُرِنَ بِالْفَاءِ فِي مَحَلِّ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ كَمَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ قُلْتُ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَ إنَّمَا يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ إذَا نُصَّ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْلَالِ وَأَمَّا إذَا ذُكِرَ تَبَعًا لِلْمَنْصُوصِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى وُجُودُهُ كَمَا ذُكِرَ فَإِنَّ التَّرَاضِيَ فِي الْبَيْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} فَلَوْ صَحَّ مَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ لَبَطَلَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ وَلَمْ يَفْسُدْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةَ بَلْ الْمُلَازِمُ مِنْ صِحَّةِ مَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ هُوَ ثُبُوتُ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالرِّضَى فِي الْجُمْلَةِ عَلَى قِيَاسِ التَّخْلِيَةِ فِي الرَّهْنِ فَإِنَّهَا قَبْضٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ تَدَبَّرْ.
(وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الرَّهْنِ (قَبْلَ الْقَبْضِ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ تَامٍّ وَغَيْرَ لَازِمٍ قَبْلَ الْقَبْضِ (فَإِذَا قُبِضَ لَزِمَ) الرَّهْنُ لِمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَلَا رُجُوعَ بَعْدَهُ (وَهُوَ) أَيْ الرَّهْنُ (مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (وَمِنْ الدَّيْنِ) إذَا هَلَكَ وَالْأَقَلُّ اسْمُ تَفْضِيلٍ اُسْتُعْمِلَ بِاللَّامِ وَكَلِمَةُ مِنْ لَيْسَتْ تَفْضِيلِيَّةً بَلْ بَيَانِيَّةً وَالْمَعْنَى بِالْأَقَلِّ الَّذِي هُوَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَيُّهُمَا كَانَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الرَّهْنُ كُلُّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ» أَيْ لِلرَّاهِنِ الزَّوَائِدُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ أَيْ لَوْ هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الرَّاهِنِ قَالَ مَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْمُرْتَهِنِ بَعْدَمَا نَفَقَ فَرَسُ الرَّهْنِ عِنْدَهُ «ذَهَبَ حَقُّكَ» وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا عَمَى الرَّهْنُ فَهُوَ بِمَا فِيهِ» مَعْنَاهُ عَلَى مَا قَالُوا إذَا اشْتَبَهَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ بَعْدَمَا هَلَكَ الرَّهْنُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَيْفِيَّتِهِ وَالْقَوْلُ بِالْأَمَانَةِ خَرْقٌ لَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ» عَلَى مَا قَالُوا الِاحْتِبَاسُ الْكُلِّيُّ بِأَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ عَنْ السَّلَفِ وَعَنْ النَّخَعِيِّ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ رَهْنًا وَأَخَذَ دِرْهَمًا فَقَالَ إنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ إلَى كَذَا وَكَذَا وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ فَقَالَ إبْرَاهِيمُ لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ فَجَعَلَهُ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَةِ وَتَحْقِيقُهُ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَتَبَّعْ.
(فَلَوْ هَلَكَ) كُلُّ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (وَهُمَا) أَيْ الرَّهْنُ وَالدَّيْنُ (سَوَاءٌ) أَيْ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمِقْدَارِ (صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ) حُكْمًا فَلَا يَطْلُبُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ وَلَا الرَّاهِنُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ شَيْئًا.
(وَإِنْ) كَانَتْ (قِيمَتُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (أَكْثَرَ) مِنْ الدَّيْنِ (فَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ) فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ وَلِأَنَّ الْمَضْمُونَ يَقَعُ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا يَدْخُلُ الْفَضْلُ فِي ضَمَانِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ إذْ عِنْدَهُ مَضْمُونٌ بِقِيمَةِ الْهَلَاكِ لَا بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا فَيَدْخُلُ الْفَضْلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْهَلَاكِ لِأَنَّ الْفَضْلَ عَنْ الدَّيْنِ مَرْهُونٌ لِكَوْنِهِ مَحْبُوسًا بِهِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا.
(وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ) مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ (سَقَطَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (قَدْرُ الْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَةِ الرَّهْنِ (وَطُولِبَ الرَّاهِنُ بِالْبَاقِي) مِنْ الدَّيْنِ مَثَلًا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَالرَّهْنُ أَيْضًا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَهَلَكَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ حُكْمًا وَلَا يَبْقَى لَهُ مُطَالَبَةٌ عَلَى الرَّاهِنِ فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا فَالْخَمْسُونَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَلَا يَضْمَنُهَا إلَّا بِالتَّعَدِّي وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي تِسْعِينَ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا مِنْ دَيْنِهِ تِسْعِينَ دِرْهَمًا وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ.
(وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الرَّهْنِ (يَوْمَ قَبْضِهِ) وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ وَحُكْمُ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِلَى الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ.
وَفِي التَّبْيِينِ إنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ يُخَالِفُ ضَمَانَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَالْوَاجِبُ هُنَا فِي الْمُسْتَهْلَكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ ثُمَّ بَحَثَ وَقَالَ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ انْتَهَى إذَا تَقَرَّرَ هَذَا ظَهَرَ لَكَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ مِنْ قَوْلِهِ الْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ الرَّهْنِ يَوْمَ الْهَلَاكِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ يَدَهُ أَمَانَةٌ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَنْقُولِ انْتَهَى.
وَفِي التَّنْوِيرِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ أَيْ مِقْدَارَ مَا يُرِيدُ أَخْذَهُ مِنْ الدَّيْنِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْأَصَحِّ.
(وَيَهْلَكُ) الرَّهْنُ (عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ فَكَفَنُهُ) أَيْ كَفَنُ الْعَبْدِ الرَّهْنِ أَوْ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ حَقِيقَةً وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى إذَا اشْتَرَاهُ لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ فَمَاتَ كَانَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ.
(وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ) لِأَنَّ هَلَاكَ الرَّهْنِ لَا يُسْقِطُ طَلَبَ الدَّيْنِ (وَيَحْبِسُهُ بِهِ) أَيْ يَحْبِسُ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِدَيْنِهِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ وَهُوَ الْمُمَاطَلَةُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَحْبِسَ الرَّهْنَ بَعْدَ فَسْخِ عَقْدِهِ) أَيْ عَقْدِ الرَّهْنِ (حَتَّى يَقْبِضَ دَيْنَهُ إلَّا) وَقْتَ (أَنْ يُبَرِّئَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ فَإِنَّهُ يَبْقَى مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ.
(وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (إنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (أَنْ يُمَكِّنَ الرَّاهِنَ مِنْ بَيْعِهِ) أَيْ مِنْ بَيْعِ الرَّهْنِ (لِلْإِيفَاءِ) يَعْنِي لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ بِثَمَنِهِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ.
(وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ) بِاسْتِخْدَامٍ وَلَا بِسُكْنَى وَلَا بِلِبْسٍ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ الْحَبْسُ إلَى أَنْ يُسْتَوْفَى دَيْنَهُ دُونَ الِانْتِفَاعِ (وَلَا إجَارَتُهُ وَلَا إعَارَتُهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِإِجَارَةِ أَوْ بِإِعَارَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مَالِكًا لِتَسْلِيطِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ سَمَرْقَنْدَ أَنَّ مَنْ ارْتَهَنَ شَيْئًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الرِّبَا لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ كَامِلًا فَتَبْقَى لَهُ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي اسْتَوْفَى فَضْلًا فَيَكُونُ رِبًا وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ كَذَا رَأَيْتُ مَنْقُولًا بِهَذَا اللَّفْظِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ قُلْتُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ رَهَنَ شَاةً وَأَبَاحَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَهَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَشْرَبَ وَيَأْكُلَ وَلَا يَكُونُ ضَامِنًا.
وَفِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ أَبَاحَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَكْلَ الثِّمَارِ فَأَكَلَهَا لَمْ يَضْمَنْ ثُمَّ قَالَ يُكْرَهُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي السُّكْنَى فَلَا رُجُوعَ بِالْأُجْرَةِ انْتَهَى فَلْيُحْمَلْ مَا تَقَدَّمَ عَلَى الدِّيَانَةِ وَمَا فِي سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ عَلَى الْحُكْمِ (وَيَصِيرُ بِذَلِكَ) أَيْ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ بِالِانْتِفَاعِ قَبْلَ الْإِذْنِ (مُتَعَدِّيًا) إذْ هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ (وَلَا يَبْطُلُ بِهِ) أَيْ بِالتَّعَدِّي (الرَّهْنُ) لِبَقَاءِ الْعَقْدِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ.
(وَإِذَا طَلَبَ) الْمُرْتَهِنُ (دَيْنَهُ أُمِرَ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ) أَوَّلًا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّهْنِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ بِقَرِينَةِ الْآتِي لِيَعْلَمَ أَنَّهُ بَاقٍ وَلِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا وَجْهَ لِقَبْضِ مَالِهِ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ هَلَاكَهُ يُحْتَمَلُ فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ تَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ (فَإِذَا أَحْضَرَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ (أُمِرَ الرَّاهِنُ بِتَسْلِيمِ كُلِّ دَيْنِهِ أَوَّلًا) لِتَعْيِينِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ كَمَا يُعَيِّنُ حَقَّ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ الْحَاضِرِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا (ثُمَّ أُمِرَ الْمُرْتَهِنُ بِتَسْلِيمِ الرَّهْنِ) كَمَا أُمِرَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ.
(وَكَذَا) أَيْ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيهِ مِثْلُ الْحُكْمِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
(لَوْ طَالَبَهُ) الْمُرْتَهِنُ (بِالدَّيْنِ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ الرَّهْنِ (وَلَمْ يَكُنْ لِلرَّهْنِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ) فَإِنَّ الْأَمَاكِنَ فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِيمَا لَيْسَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلرَّهْنِ (حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ بِلَا) تَكْلِيفِ (إحْضَارِ الرَّهْنِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُرْتَهِنَ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ.
(وَكَذَا) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ مِنْ الرَّاهِنِ (إنْ كَانَ الرَّهْنُ وُضِعَ عِنْدَ عَدْلٍ) بِأَمْرِ الرَّاهِنِ (وَلَا يُكَلَّفُ بِإِحْضَارِهِ) لِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْغَيْرِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا الْمُرْتَهِنُ (بِإِحْضَارِ ثَمَنِ رَهْنٍ بَاعَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضَهُ) أَيْ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا بِالْبَيْعِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ وَهُوَ دَيْنٌ وَلَوْ قَبَضَهُ يُكَلَّفُ بِإِحْضَارِهِ لِقِيَامِ الْبَدَلِ (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا (إنْ قَضَى بَعْضَ حَقِّهِ بِتَسْلِيمِ حِصَّتِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَاقِيَ) مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ كَمَا فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ.
(وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْفَظَ الرَّهْنَ بِنَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ) وَأَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُسَاكَنَةِ لَا بِالنَّفَقَةِ حَتَّى إنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ دَفَعَتْ الرَّهْنَ إلَى الزَّوْجِ لَا يَضْمَنُ إنْ هَلَكَ مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ فِي نَفَقَتِهَا (فَإِنْ حَفِظَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ (بِغَيْرِهِمْ) أَيْ بِغَيْرِ الْمَذْكُورِينَ (أَوْ أَوْدَعَهُ) الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ آخَرَ (فَهَلَكَ ضَمِنَ) الْمُرْتَهِنُ (كُلَّ قِيمَتِهِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ مَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ كَالْمَغْصُوبِ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا وَهَلْ يَضْمَنُ الْمُودِعُ الثَّانِيَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي مُودِعِ الْمُودَعَ ثُمَّ إنْ قَضَى بِقِيمَةِ الرَّهْنِ فِيمَا إذَا تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَتَقَاصَّا بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَيُطَالِبُ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِالْفَضْلِ إنْ كَانَ هُنَاكَ فَضْلٌ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ وَتَكُونُ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ.
(وَكَذَا) يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ (إنْ تَعَدَّى فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ صَرِيحًا كَمَا فِي الْغَصْبِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ.
(أَوْ جَعَلَ الْخَاتَمَ) الرَّهْنَ (فِي خِنْصَرِهِ) فَهَلَكَ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ (فَإِنْ جَعَلَهُ) أَيْ الْخَاتَمَ وَالظَّاهِرُ بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ (فِي أُصْبُعٍ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْخِنْصَرِ (فَلَا) يَضْمَنُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ حِفْظًا فَظُهُورُ التَّعَدِّي فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَادَةِ وَلَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلِبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ وَإِلَّا كَانَ حَافِظًا فَلَا يَضْمَنُ وَكَذَا يَضْمَنُ بِتَقَلُّدِ سَيْفَيْ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ أَيْضًا اسْتِعْمَالٌ لَا الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ حِفْظٌ فَإِنَّ الشُّجْعَانَ يَتَقَلَّدُونَ فِي الْعَادَةِ بِسَيْفَيْنِ لَا الثَّلَاثَةِ.
(وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (مُؤْنَةُ حِفْظِهِ) أَيْ الرَّهْنِ أَيْ مَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِ نَفْسِ الرَّهْنِ.
(وَ) مُؤْنَةُ (رَدِّهِ) أَيْ رَدِّ الرَّهْنِ (إلَى يَدِهِ) أَيْ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ إنْ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ كَجُعْلِ الْآبِقِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلِذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ (أَوْ) كَذَا مُؤْنَةُ (رَدِّ جُزْئِهِ) إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِأَنْ تَبْيَضَّ عَيْنُ الرَّهْنِ أَوْ يَحْدُثَ بِهِ مَرَضٌ آخَرُ فَمُدَاوَاتُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ حَقٌّ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ (كَأُجْرَةِ بَيْتِ حِفْظِهِ وَ) أُجْرَةِ (حَافِظِهِ) وَفِي الْهِدَايَةِ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ كِرَاءَ الْمَأْوَى عَلَى الرَّاهِنِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ سَعَى فِي تَبْقِيَتِهِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ جَعْلُ الْآبِقِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إعَادَةِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ لَيَرُدَّهُ وَكَانَتْ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فَيَلْزَمُهُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَالرَّدُّ لِإِعَادَةِ الْيَدِ وَيَدُهُ فِي الزِّيَادَةِ يَدُ الْمَالِكِ إذْ هُوَ كَالْمُودِعِ فِيهَا فَلِهَذَا يَكُونُ عَلَى الْمَالِكِ وَهَذَا بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْبَيْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ كُلَّهَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَضْلٌ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ أَيْ أُجْرَةَ الْبَيْتِ بِسَبَبِ الْحَبْسِ وَحَقُّ الْحَبْسِ فِي الْكُلِّ ثَابِتٌ لَهُ وَأَمَّا الْجُعْلُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ لِأَجْلِ الضَّمَانِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَعَنْ هَذَا قَالَ.
(أَمَّا جُعْلُ الْآبِقِ وَالْمُدَاوَاةِ) أَيْ مُدَاوَاةُ الْقُرُوحِ وَمُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ (وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ فَمُنْقَسِمٌ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ) يَعْنِي مَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الْمَضْمُونِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ وَمَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الْأَمَانَةِ فَعَلَى الرَّاهِنِ إذَا تَقَرَّرَ عِنْدَكَ مَا نَقَلْنَا مِنْ الْهِدَايَةِ لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ الِاخْتِلَالِ وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ حِفْظِهِ كَأُجْرَةِ بَيْتِ حِفْظٍ وَحَافِظٍ وَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ فَضْلٌ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهِ إلَى يَدِهِ أَوْ رَدِّ جُزْئِهِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَيْ الدَّيْنِ فَمُنْقَسِمٌ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ كَالْفِدَاءِ مِنْ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكَانَ أَسْلَمَ تَدَبَّرْ.
(وَمُؤْنَةُ تَبْقِيَتِهِ) أَيْ جَعْلُ الرَّهْنِ بَاقِيًا (وَ) مُؤْنَةُ (إصْلَاحِهِ) أَيْ إصْلَاحِ مَنْفَعَتِهِ (عَلَى الرَّاهِنِ كَالنَّفَقَةِ) مِنْ مَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ (وَالْكِسْوَةُ وَأُجْرَةُ الرَّاعِي وَأُجْرَةُ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ) هَذِهِ أَمْثِلَةُ مُؤْنَةِ التَّبْقِيَةِ (وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ وَتَلْقِيحُ نَخْلِهِ) أَيْ نَخْلِ الْبُسْتَانِ (وَجِذَاذُهُ) أَيْ التَّمْرِ مِنْ النَّخْلِ (وَالْقِيَامُ بِمَصَالِحِهِ) كَإِصْلَاحِ جِدَارِهِ وَقَلْعِ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْهُ هَذِهِ أَمْثِلَةُ الْمُؤْنَةِ لِإِصْلَاحِ مَنَافِعِهِ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتُهُ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَا لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَكَذَا مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ أَصْلًا وَتَبْقِيَتُهُ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ مُؤْنَةٌ مَلَكَهُ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ.
(وَمَا أَدَّاهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ بِلَا أَمْرٍ) أَيْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي (فَهُوَ تَبَرُّعٌ) فِيمَا أَدَّاهُ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ.
(وَ) مَا أَدَّاهُ مِمَّا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ (بِأَمْرِ الْقَاضِي يَرْجِعُ) الْمُؤَدِّي (بِهِ) أَيْ بِمَا أَدَّاهُ وَقَيَّدَ صَاحِبُ الْمِنَحِ فِي مَتْنِهِ بِقَوْلِهِ وَيَجْعَلُهُ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ وَقَالَ وَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِجَعْلِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ وَفِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ إذَا أَدَّاهُ بِلَا أَمْرِ صَاحِبِهِ (إنْ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا) وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ الْآمِرُ إلَى الْقَاضِي فَيَأْمُرَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرْجِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي الْحَاضِرَ وَلَا يُنَفِّذُ أَمْرَهُ عَلَيْهِ فَلَوْ نَفَّذَ أَمْرَهُ عَلَيْهِ لَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَلَا يَمْلِكُ الْحَجْرَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَمْلِكُ فَيُنَفِّذُ أَمْرَهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ لَوْ قَالَ الرَّاهِنُ الرَّهْنُ غَيْرُ هَذَا وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي رَهَنْتَهُ عِنْدِي فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَابِضُ وَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ رَدَّهُ عَلَى الرَّاهِنِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَاكَ شَأْنُ الْأَمَانَاتِ الْغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ وَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَلَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ ضَمِنَهُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي الْبَاطِنَةِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ زَعَمَ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَسُقُوطَ الدَّيْنِ وَزَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ فَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ أَيْضًا وَيَسْقُطُ الرَّهْنُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ وَإِنْ زَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ لِإِثْبَاتِهِ الضَّمَانَ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فَقَالَ الرَّاهِنُ هَلَكَ بَعْدَ تَرْكِ الِانْتِفَاعِ وَعَوْدِهِ لِلرَّهْنِ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ هَلَكَ حَالَ الِانْتِفَاعِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي الْعَوْدِ إلَّا بِحُجَّةٍ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَوَكَّلَ الْمُرْتَهِنَ بِالْبَيْعِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بِعْتُهُ بِنِصْفِهَا وَقَالَ الرَّاهِنُ لَا بَلْ مَاتَ عِنْدَكَ يَحْلِفُ الرَّاهِنُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَاعَهُ وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا مَاتَ عِنْدَهُ فَإِذَا حَلَفَ سَقَطَ الدَّيْنُ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى الْبَيْعِ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي لِبْسِ ثَوْبٍ مَرْهُونٍ يَوْمًا فَجَاءَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ مُتَخَرِّقًا وَقَالَ تَخَرَّقَ فِي لِبْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ الرَّاهِنُ مَا لَبِسْتُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا تَخَرَّقَ بِهِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِاللِّبْسِ فِيهِ وَلَكِنْ قَالَ تَخَرَّقَ قَبْلَ اللِّبْسِ وَبَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ السَّفَرُ بِالرَّهْنِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَإِنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَالْوَدِيعَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ أَيْضًا إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُرَاجَعْ.

.بَاب مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ:

لَمَّا ذَكَرَ مُقَدَّمَاتِ الرَّهْنِ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِ مَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ إذْ التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ (لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ الْمُشَاعُ (مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) بِخِلَافِ الْهِبَةِ حَيْثُ يَجُوزُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ (أَوْ) كَانَ (مِنْ الشَّرِيكِ) هَذَا عِنْدَنَا لِأَنَّ مُوجِبَ ثُبُوتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَدُ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ هُوَ التَّمْيِيزُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ اسْتِحْقَاقُ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ وَالْمُشَاعُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَجُوزُ رَهْنُهُ كَالْمَقْسُومِ.
(وَلَوْ طَرَأَ) الشُّيُوعُ بَعْدَ الِارْتِهَانِ (فَسَدَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَقِيلَ إنَّهُ بَاطِلٌ لَا يُتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْهُ هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ جَوَازِهِ وَصُورَةُ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ أَنْ يَرْهَنَ الْجَمِيعَ ثُمَّ يَتَفَاسَخَا فِي الْبَعْضِ وَأَذِنَ.
الرَّاهِنُ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ كَيْفَ شَاءَ فَبَاعَ نِصْفَهُ وَإِنَّهُ يَمْنَعُ بَقَاءَ الرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمِنَحِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ وَإِنَّمَا فَسَدَ لِأَنَّ هَذَا الشُّيُوعَ رَاجِعٌ إلَى مَحِلِّ الرَّهْنِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَحِلٍّ فَالْبَقَاءُ كَالِابْتِدَاءِ وَقَدْ قَالُوا بِاسْتِثْنَاءِ الْهِبَةِ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ إلَّا عِنْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّ حُكْمَهُ دَوَامُ الْقَبْضِ فَعَلَى هَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ أَبُو الْمَكَارِمِ مِنْ أَنْ وَجْهَهُ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَحِلِّ الرَّهْنِ فَالْبَقَاءُ وَالِابْتِدَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْهِبَةِ فَإِنَّ الشُّيُوعَ فِيهَا مَانِعُ ابْتِدَاءٍ لَا بَقَاءٍ فَالْوَجْهُ الْأَلْيَقُ بِالْمَقَامِ هُوَ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ انْتَهَى تَدَبَّرْ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَبِلَ الْبَيْعَ قَبِلَ الرَّهْنَ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ بَيْعُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ لَا رَهْنُهُ بَيْعُ الْمَشْغُولِ جَائِزٌ لَا رَهْنُهُ بَيْعُ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِهِ جَائِزٌ لَا رَهْنُهُ بَيْعُ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِشَرْطٍ قَبْلَ وُجُودِهِ فِي غَيْرِ الدَّيْنِ جَائِزٌ لَا رَهْنُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ.
(وَلَا) يَصِحُّ (رَهْنُ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ بِدُونِ الشَّجَرِ وَلَا) يَصِحُّ رَهْنُ (الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ بِدُونِهَا) أَيْ بِدُونِ الْأَرْضِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الرَّهْنِ وَلَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِهِ وَحْدَهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْمُشَاعِ (وَلَا) يَصِحُّ رَهْنُ (الشَّجَرِ أَوْ الْأَرْضِ مَشْغُولَيْنِ بِالثَّمَرِ وَالزَّرْعِ) دُونَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَصَارَ الْأَصْلُ الْمَرْهُونُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ رَهْنَ الْأَرْضِ بِدُونِ الشَّجَرِ جَائِزٌ لِأَنَّ الشَّجَرَ اسْمٌ لِلنَّابِتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْأَشْجَارِ بِمَوَاضِعِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ بِدُونِ الْبِنَاءِ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ اسْمٌ لِلْمَبْنِيِّ فَيَصِيرُ رَاهِنًا جَمِيعَ الْأَرْضِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمِلْكِ الرَّاهِنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَلَوْ رَهَنَ الشَّجَرَ بِمَوَاضِعِهَا) جَازَ لِأَنَّهُ رَهَنَ الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا مِنْ الشَّجَرِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَمُجَاوَرَةُ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِاتِّصَالِهِ بِهِ فَيَدْخُلُ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ بَيْعَ النَّخِيلِ بِدُونِ الثَّمَرِ جَائِزٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ وَبِخِلَافِ الْمَتَاعِ فِي الدَّارِ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي رَهْنِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِوَجْهٍ مَا وَكَذَا يَدْخُلُ الزَّرْعُ وَالرُّطَبَةُ رَهْنَ الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَيَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِي رَهْنِ الْأَرْضِ أَيْ لَوْ قَالَ رَهَنْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا دَخَلَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ.
(أَوْ) رَهَنَ (الدَّارَ بِمَا فِيهَا) أَيْ الدَّارِ (جَازَ) وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ بَقِيَ رَهْنًا بِحِصَّتِهِ وَإِلَّا بَطَلَ كُلُّهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ جُعِلَ كَأَنَّهُ مَا وَرَدَ إلَّا عَلَى الْبَاقِي وَيَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كَوْنُ الرَّهْنِ أَوْ مَتَاعِهِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ وَكَذَا مَتَاعُهُ فِي الْوِعَاءِ الْمَرْهُونَةِ وَيَمْنَعُ تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ الْحَمْلُ.
عَلَيْهَا فَلَا يَتِمُّ حَتَّى يُلْقَى الْحَمْلُ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الْحَمْلَ دُونَهَا حَيْثُ يَكُونُ رَهْنًا تَامًّا إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي دَارٍ أَوْ وِعَاءٍ دُونَ الدَّارِ وَالْوِعَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا وَدَفَعَ الدَّابَّةَ مَعَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرَةِ لِلنَّخِيلِ حَتَّى قَالُوا يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ.
(وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأَمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ) لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ هَؤُلَاءِ مُتَعَذِّرٌ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ الْحُرِّيَّةَ فَصَارُوا كَالْحُرِّ (وَلَا) يَجُوزُ الرَّهْنُ (بِالْأَمَانَاتِ) كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَمَالِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ (وَلَا) يَجُوزُ الرَّهْنُ (بِالدَّرَكِ) صُورَتُهُ بَاعَ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَخَافَ الْمُشْتَرِي مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ فَأَخَذَ الثَّمَنَ رَهْنًا فَهَذَا الرَّهْنُ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ بِهِ جَائِزَةٌ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ شُرِعَ لِلِاسْتِيفَاءِ وَلَا اسْتِيفَاءَ إلَّا فِي الْوَاجِبِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَالتَّعْلِيقَ وَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَهِيَ الْتِزَامٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُهُمَا كَالْتِزَامِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.
(وَلَا) يَجُوزُ الرَّهْنُ (بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ) فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ ذَهَبَ بِالثَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ فَالرَّهْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَمَا مَرَّ وَلَا يَجُوزُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالرَّهْنِ وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمَبِيعِ ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْبَاطِلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالرَّهْنَ مَالٌ وَالْفَاسِدُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ بِالْأَحْكَامِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ جَازَ الرَّهْنُ بِهِ فَيُضْمَنُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ وَأَبُو اللَّيْثِ قِيلَ الْأَعْيَانُ ثَلَاثَةٌ عَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ أَصْلًا كَالْأَمَانَاتِ وَعَيْنٌ مَضْمُونَةٌ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ وَعَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ مَضْمُونَةٌ بِغَيْرِهَا هُوَ سُقُوطُ الثَّمَنِ فَصَارَ هَذَا لِلتَّسْمِيَةِ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِالْغَيْرِ.
(وَلَا) يَجُوزُ الرَّهْنُ (بِالْكَفَالَةِ) بِالنَّفْسِ أَيْ لَا يَجُوزُ رَهْنُ الْكَفِيلِ شَيْئًا عِنْدَ الْمَكْفُولِ لَهُ لِيُسَلِّمَ نَفْسَ الْمَكْفُولِ بِهِ إلَيْهِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ مِنْ الرَّهْنِ مُتَعَذِّرٌ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ تَكَفَّلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ ثُمَّ إنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ أَعْطَى الْكِفْلَ رَهْنًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى الْأَصِيلِ فَأَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ رَهْنًا بِذَلِكَ جَازَ الرَّهْنُ وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى سَنَةٍ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالْمَالِ رَهْنًا إلَى سَنَةٍ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا وَكَذَا لَوْ كَانَ الْكَفِيلُ قَالَ لِلطَّالِبِ فِي الْكَفَالَةِ إنْ مَاتَ فُلَانٌ وَلَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ فَهُوَ عَلَيَّ ثُمَّ أَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ.
(وَلَا) يَجُوزُ الرَّهْنُ (بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا) عِنْدَ وَلِيِّ الْقِصَاصِ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ مِنْ الرَّهْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ خَطَأً لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَرْشِ مِنْ الرَّهْنِ مُمْكِنٌ.
(وَلَا بِالشُّفْعَةِ) أَيْ لَا يَجُوزُ.
رَهْنُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عِنْدَ الشَّفِيعِ لِيُسَلِّمَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَبِيعِ مِنْ الرَّهْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ إذْ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ.
(وَلَا) يَجُوزُ (بِأُجْرَةِ النَّائِحَةِ أَوْ الْمُغَنِّيَةِ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى ذَلِكَ بَاطِلَةٌ شَرْعًا فَالرَّهْنُ أَيْضًا بَاطِلٌ لِكَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ غَيْرِ جَائِزٍ أَصْلًا.
(وَلَا) يَجُوزُ رَهْنُ الْمَوْلَى شَيْئًا (بِالْعَبْدِ الْجَانِي أَوْ) الْعَبْدِ (الْمَدْيُونِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ الطَّلَبِ يَهْلِكُ بِلَا شَيْءٍ إذْ لَا حُكْمَ لِلْبَاطِلِ فَيَبْقَى الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ رَهْنُ الْخَمْرِ وَلَا ارْتِهَانُهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ الْإِيفَاءَ إذَا كَانَ رَاهِنًا وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ إذَا كَانَ مُرْتَهِنًا وَكَذَا الْحَالُ فِي الْخِنْزِيرِ (وَلَا يَضْمَنُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْلِمِ (مُرْتَهِنُهَا) أَيْ مُرْتَهِنُ الْخَمْرِ.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (ذِمِّيًّا) أَيْ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ ذِمِّيًّا لَمْ يَضْمَنْهَا كَمَا لَا يَضْمَنُهَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ (وَيَضْمَنُهَا هُوَ) أَيْ الْمُسْلِمُ لَوْ ارْتَهَنَهَا (مِنْ ذِمِّيٍّ) أَيْ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ ذِمِّيًّا وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمٌ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ يَضْمَنُ الْمُسْلِمُ الْخَمْرَ لِلذِّمِّيِّ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ فَتَصِيرُ الْخَمْرُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ بِأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا يَضْمَنُهَا بِالْغَصْبِ.
(وَيَصِحُّ) الرَّهْنُ (بِالدَّيْنِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مَوْعُودًا بِأَنْ رَهَنَ) شَيْئًا مِنْ شَخْصٍ (لِيُقْرِضَهُ كَذَا) مِنْ الْمَالِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ (فَلَوْ هَلَكَ) هَذَا الرَّهْنُ (فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَزِمَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنَ (دَفْعُ مَا وَعَدَ) لِلرَّاهِنِ أَيْ إنْ رَهَنَ لِيُقْرِضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ أَلْفًا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ تَسْلِيمُ الْأَلْفِ الْمَوْعُودِ إلَى الرَّاهِنِ جَبْرًا لِأَنَّ الْمَوْعُودَ جُعِلَ مَوْجُودًا حُكْمًا بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ الَّذِي يَصِحُّ عَلَى إشَارَةِ وُجُودِهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُهُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فَيَضْمَنُهُ (إنْ) كَانَ الدَّيْنُ (مِثْلُ قِيمَتِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْهَا أَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ فَعَلَيْهِ قَدْرُ قِيمَتِهِ هَذَا إذَا سَمَّى قَدْرَ الدَّيْنِ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ بِأَنْ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ يُعْطِي الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مَا شَاءَ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلِّ مِنْ دِرْهَمٍ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى هَذَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْمَكَارِمِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ ذَكَرَ حُكْمَهُ فِيمَا سَبَقَ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ سَقَطَ مِنْهُ قَدْرُ الْقِيمَةِ وَطُولِبَ الرَّاهِنُ بِالْبَاقِي تَدَبَّرْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَقْرِضْنِي وَخُذْ هَذَا الرَّهْنَ وَلَمْ يُسَمِّ الْقَرْضَ فَأَخَذَ الرَّهْنَ وَلَمْ يُقْرِضْهُ حَتَّى ضَاعَ الرَّهْنُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْحَاصِلُ فِي الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ.
الْمَوْعُودِ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ إذَا سَمَّى شَيْئًا وَرَهَنَ بِهِ هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْمُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى شَيْئًا اخْتَلَفَ فِيهِ الْإِمَامُ الثَّانِي وَمُحَمَّدٌ لَكِنْ قَدْ قَرَرْنَاهُ نَقْلًا عَنْ التَّنْوِيرِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فِي الْأَصَحِّ تَتَبَّعْ.
(وَ) يَصِحُّ الرَّهْنُ (بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ) قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ اسْتِبْدَالٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الِاسْتِبْدَالَ أَخْذٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَالِاسْتِيفَاءُ فِي الرَّهْنِ أَخْذُهُ مَعْنًى فَإِنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَبِالْمُسَلَّمِ فِيهِ) قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَبَعْدَهُ وَعَنْ زُفَرَ فِيهِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ فَائِدَةُ جَوَازِ الرَّهْنِ بِالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ بِالْفَاءِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ هَلَكَ) الرَّهْنُ (فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَقَدْ اسْتَوْفَى) أَيْ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا (حُكْمًا) لِوُجُودِ الْقَبْضِ وَاتِّحَادِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ فَيَتِمُّ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ.
(وَإِنْ افْتَرَقَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ (قَبْلَ النَّقْدِ) أَيْ قَبْلَ نَقْدِ رَأْسِ الْمَالِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ (وَ) قَبْلَ (الْهَلَاكِ) أَيْ هَلَاكِ الرَّهْنِ (بَطَلَ الْعَقْدُ) فِيهِمَا لِعَدَمِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لِحَقِّهِ إلَّا بِالْهَلَاكِ (وَالرَّهْنُ بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ رَهْنٌ بِبَدَلِهِ إذَا فُسِخَ) أَيْ لَوْ تَفَاسَخَا السَّلَمَ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ رَهْنٌ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا بِرَأْسِ الْمَالِ اسْتِحْسَانًا حَتَّى يَحْبِسَهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْبِسَهُ بِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ وَجَبَ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ بِأَحَدِهِمَا رَهْنًا بِالْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنَانِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَبِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَقَضَى الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ بِالدَّيْنِ الْآخَرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ ارْتَهَنَ لِحَقِّهِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ الْفَسْخِ وَرَأْسُ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ فَقَامَ مَقَامَهُ إذْ الرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ رَهْنًا بِبَدَلِهِ كَمَا إذَا ارْتَهَنَ بِالْمَغْصُوبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ صَارَ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ (وَهَلَاكُهُ) أَيْ هَلَاكُ الرَّهْنِ (بَعْدَ الْفَسْخِ هَلَاكٌ بِالْأَصْلِ) أَيْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ التَّفَاسُخِ هَلَكَ الرَّهْنُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا ثُمَّ تَقَايَلَا الْبَيْعَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ لِأَخْذِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُهُ وَلَوْ هَلَكَ الْمَرْهُونُ يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ.
(وَيَصِحُّ) الرَّهْنُ (بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا أَيْ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَجِبُ تَسْلِيمُ عَيْنِهَا عِنْدَ قِيَامِهَا إذْ لَا يَجُوزُ الْبَدَلُ عِنْدَ وُجُودِ الْأَصْلِ وَعِنْدَ هَلَاكِهَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهَا إنْ كَانَ لَهَا مِثْلٌ وَبِقِيمَتِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِثْلٌ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ فِي يَدِ الرَّاهِنِ يُقَالُ لَهُ سَلِّمْ الْعَيْنَ وَخُذْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ عِنْدَنَا وَإِذَا هَلَكَ الْعَيْنُ قَبْلَ هَلَاكِ.
الرَّهْنِ يَصِيرُ الرَّهْنُ رَهْنًا صَحِيحًا بِقِيمَةِ الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ ثُمَّ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ.
(وَ) يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ ب (بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِعَدَمِ الدَّيْنِ) صُورَتُهُ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ عَلَى الْإِنْكَارِ وَأَعْطَاهُ بِهَا رَهْنًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ خَمْسَمِائَةٍ لِلرَّاهِنِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُهُ أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ شَيْئًا.
(وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ لِدَيْنِهِ عَبْدَ طِفْلِهِ جَازَ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيدَاعَهُ وَهَذَا أَنَظَرُ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ إذَا هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا الْوَدِيعَةُ أَمَانَةٌ وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْهَنَ مَالَهُ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ.
(وَكَذَا الْوَصِيُّ) أَيْ الْوَصِيُّ مِثْلُ الْأَبِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ حُكْمًا فَلَا يَمْلِكَانِ كَالْإِيفَاءِ حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي حَقِيقَةِ الْإِيفَاءِ إزَالَةَ مِلْكِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ فِي الْحَالِ وَالرَّهْنُ حِفْظُ مَالِ الصَّغِيرِ فِي الْحَالِ مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ (فَإِنْ هَلَكَ) الْعَبْدُ الرَّهْنُ (لَزِمَهُمَا) أَيْ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ (مِثْلُ مَا سَقَطَ بِهِ) أَيْ بِالرَّهْنِ (مِنْ دَيْنِهِمَا) أَيْ مِنْ دَيْنِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَلَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِيدَاعِ وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الْأَبُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيُّ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَقَالَ لَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ أَمَانَةٌ وَكَذَا لَوْ سَلَّطَا الْمُرْتَهِنَ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مُوَكَّلٌ عَلَى بَيْعِهِ وَهُمَا يَمْلِكَانِهِ.
(وَلَوْ رَهَنَهُ) أَيْ مَتَاعَ الصَّغِيرِ (الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنٍ آخَرَ صَغِيرٍ لَهُ) أَيْ لِلْأَبِ (أَوْ مِنْ عَبْدٍ لَهُ) أَيْ لِلْأَبِ (تَاجِرٍ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ صَحَّ) لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ وَأُقِيمَتْ عِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَمَا فِي بَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ فَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ (بِخِلَافِ الْوَصِيِّ ) أَيْ لَوْ ارْتَهَنَهُ الْوَصِيُّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ هَذَيْنِ أَوْ رَهَنَ عَيْنًا لَهُ مِنْ الْيَتِيمِ بِحَقٍّ لِلْيَتِيمِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَالْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ كَمَا لَا يَتَوَلَّاهُمَا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ وَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْأَبِ وَالرَّهْنِ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَمِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ أَيْ الْوَصِيِّ بِخِلَافِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَأَبِيهِ أَيْ أَبِ الْوَصِيِّ وَعَبْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا.
(وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ أَوْ طَعَامِهِ وَرَهَنَ بِهِ مَتَاعَهُ) أَيْ مَتَاعَ الْيَتِيمِ (صَحَّ) لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ جَائِزَةٌ لِلْحَاجَةِ وَالرَّهْنَ.
يَقَعُ إيفَاءً لِلْحَقِّ فَيَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَوْ اتَّجَرَ لِلْيَتِيمِ فَارْتَهَنَ أَوْ رَهَنَ لِأَنَّ الْأَوْلَى لِلْوَصِيِّ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَا لَهُ وَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الِارْتِهَانِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ (وَلَيْسَ لِلطِّفْلِ إذَا بَلَغَ نَقْضُ الرَّهْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ) لِوُقُوعِهِ لَازِمًا مِنْ جَانِبِهِ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ رَهَنَهُ فَقَضَاءُ الِابْنِ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِيهِ لِحَاجَتِهِ إلَى إحْيَاءِ مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ مُعِيرَ الرَّهْنِ وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ الْأَبُ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِمَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ رَهَنَ شَيْئًا بِثَمَنِ عَبْدٍ فَظَهَرَ) الْعَبْدُ (حُرًّا أَوْ بِثَمَنِ خَلٍّ فَظَهَرَ) الْخَلُّ (خَمْرًا أَوْ بِثَمَنِ ذَكِيَّةٍ فَظَهَرَتْ مَيْتَةً فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ) لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا وَهُوَ كَافٍ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ.
(وَجَازَ رَهْنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ) لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ فَكَانَ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ (فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا فَهَلَاكُهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَوْدَةِ) لِأَنَّهَا سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ دُونَ الْقِيمَةِ (وَعِنْدَهُمَا هَلَاكُهَا بِقِيمَتِهَا إنْ خَالَفَتْ وَزْنَهَا فَيَضْمَنُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَيَجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَ الْهَالِكِ) قَالُوا وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارًا بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ وَزْنِهِ أَيْ يَكُونُ هَلَاكُهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا ضَمِنَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَيَكُونُ دَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الِاسْتِيفَاءِ بِالْوَزْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْمُرْتَهِنِ وَلَا إلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ لِيَنْتَقِضَ الْقَبْضَ وَيُجْعَلُ مَكَانَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ.
وَفِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجِعْهُمَا.
(وَمَنْ شَرَى) شَيْئًا (عَلَى أَنْ يُعْطَى بِالثَّمَنِ رَهْنًا بِعَيْنِهِ أَوْ كَفِيلًا بِعَيْنِهِ صَحَّ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ إذْ الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ لِلِاسْتِيثَاقِ وَهُوَ يُلَائِمُ الْوُجُوبَ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ أَوْ الْكَفِيلُ غَائِبًا يَفُوتُ مَعْنَى الِاسْتِيثَاقِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رُبَّمَا يَرْهَنُ شَيْئًا حَقِيرًا أَوْ يُعْطِي كَفِيلًا فَقِيرًا لَا يُعَدُّ مِنْ الِاسْتِيثَاقِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ فَيُفْسِدُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا أَمَّا لَوْ كَانَ الْكَفِيلُ غَائِبًا فَحَضَرَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَبِلَ صَحَّ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا فَاتَّفَقَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ نَقْدِ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ حَالًا جَازَ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ لَا يَجُوزُ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمُشْتَرِي (عَنْ إعْطَائِهِ) أَيْ إعْطَاءِ الرَّهْنِ (لَا يُجْبَرُ) الْمُشْتَرِي عَلَى إعْطَائِهِ عِنْدَنَا لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ وَقَالَ زُفَرُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرَّهْنَ صَارَ بِالشَّرْطِ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَيَلْزَمُ الرَّهْنُ بِلُزُومِهِ (وَ) يَثْبُتُ (لِلْبَائِعِ) الْخِيَارُ إنْ شَاءَ (فَسَخَ الْبَيْعَ) إنْ أَبَى عَنْ عَطَاءِ الرَّهْنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الرَّهْنَ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِي الْعَقْدِ وَمَا رَضِيَ إلَّا بِهِ فَيَتَخَيَّرُ بِفَوَاتِهِ (إلَّا إنْ دَفَعَ) الْمُشْتَرِي (الثَّمَنَ حَالًا) فَحِينَئِذٍ لَا يَفْسَخُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِثْمَارُ فِي الْعُقُودِ (أَوْ) دَفْعِ (قِيمَةِ الرَّهْنِ رَهْنًا) لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ تَثْبُتُ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ (وَمِنْ شَرَى شَيْئًا وَقَالَ) الْمُشْتَرِي (لِبَائِعِهِ أَمْسِكْ هَذَا) الثَّوْبَ مَثَلًا (حَتَّى أُعْطِيَكَ الثَّمَنَ فَهُوَ) أَيْ الثَّوْبُ (رَهْنٌ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَدِيعَةٌ) لَا رَهْنٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْسِكْ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ الرَّهْنَ وَالْإِيدَاعَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَأَدْوَنُ مِنْ الرَّهْنِ فَيُقْضَى بِثُبُوتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْسِكْ بِدَيْنِك أَوْ بِمَالِك عَلَيَّ لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ عَيَّنَ جِهَةَ الرَّهْنِ وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِمَا يُنَبِّئُ عَنْ مَعْنَى الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ إلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ فَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي أَلَّا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا بِكَذَا يَكُونُ بَيْعًا لِلتَّصْرِيحِ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك بِكَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الثَّوْبُ هُوَ الْمُشْتَرَى أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا بِثَمَنِهِ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ حُكْمُ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِالثَّمَنِ وَضَمَانُهُ يُخَالِفُ زَمَانَ الرَّهْنِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ أَمْسِكْ الْمَبِيعَ حَتَّى أُعْطِيَك الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلَكَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا بِقَضَاءِ حِصَّتِهِ) أَيْ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْأَلْفِ (كَالْبَيْعِ) لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ مَحْبُوسٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِيفَاءِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِ الرَّهْنِ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ الَّذِي رَهَنَهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا ادَّعَى مَا سَمَّى لَهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَّحِدٌ لَا يَتَفَرَّقُ بِتَفْرِيقِ التَّسْمِيَةِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاتِّحَادِ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَقْدَيْنِ لَا يَصِيرُ مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ أَلَّا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الرَّهْنَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
(وَلَوْ رَهَنَ) رَجُلٌ (عَيْنًا عِنْدَ رَجُلَيْنِ) بِدَيْنٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِيهِ (صَحَّ) الرَّهْنُ (وَكُلُّهَا) أَيْ كُلُّ الْعَيْنِ (رَهْنٌ لِكُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الرَّجُلَيْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَلَا شُيُوعَ فِي الرَّهْنِ وَمُوجِبُهُ صَيْرُورَتُهُ مُحْتَسِبًا بِالدِّينِ وَهَذَا الْحَبْسُ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فَصَارَ مَحْبُوسًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَتَّى لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا فَيَثْبُتُ الشُّيُوعُ ضَرُورَةً (وَالْمَضْمُونُ عَلَى كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (حِصَّةَ دَيْنِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ.
فَيَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ (فَإِنْ تَهَايَأَ) أَيْ الْمُرْتَهِنَانِ (فِي حِفْظِهَا) أَيْ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ (فَكُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ) الَّذِي وُضِعَ عِنْدَهُ الرَّهْنُ (فِي حَقِّ الْآخَرِ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ارْتِهَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقٍ مَا لَمْ يَصِلْ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا كَانَ فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَجَزَّأُ وَجَبَ أَنْ يَحْبِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ فَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ إلَى الْآخَرِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ الدَّافِعُ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا (فَإِنْ قَضَى) الرَّاهِنُ (دَيْنَ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْمُرْتَهِنَيْنِ دُونَ الْآخَرِ (فَكُلُّهَا) أَيْ كُلُّ الْعَيْنِ (رَهْنٌ عِنْدَ الْآخَرِ) لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَيْنِ رَهْنٌ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا.
(وَلَوْ رَهَنَ اثْنَانِ مِنْ وَاحِدٍ صَحَّ وَلَهُ) أَيْ لِلْوَاحِدِ (أَنْ يُمْسِكَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ حَقِّهِ مِنْهُمَا) لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ فَصَارَ نَظِيرَ الْبَائِعِ وَهُمَا نَظِيرُ الْمُشْتَرِيَيْنِ.
(وَلَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ أَنَّ هَذَا رَهَنَ) فِعْلٌ مَاضٍ (هَذَا الشَّيْءَ) مَفْعُولُ رَهَنَ (مِنْهُ وَقَبَضَهُ) أَيْ الشَّيْءَ (وَبَرْهَنَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ادَّعَيَا (بَطَلَ بُرْهَانُهُمَا) صُورَتُهَا رَجُلٌ فِي يَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَاهُ رَجُلَانِ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِذِي الْيَدِ قَدْ رَهَنْتنِي عَبْدَك هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضْته مِنْك وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مُدَّعَاهُمَا فَهُوَ بَاطِلٌ إذْ لَا وَجْهَ إلَى الْقَضَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ الْوَاحِدُ كُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلُّهُ لِذَلِكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا لِأَحَدِهِمَا بِكُلِّهِ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ حُجَّتِهِ عَلَى حُجَّةِ الْآخَرِ وَلَا إلَى الْقَضَاءِ لِكُلِّ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ لِإِفْضَائِهِ إلَى الشُّيُوعِ فَيَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِهِمَا وَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا اسْتِحْسَانًا إذَا جُهِلَ التَّارِيخُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا اقْتَضَتْهُ الْحُجَّةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ جِنْسًا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى مِثْلِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَبِهَذَا الْقَضَاءِ يَثْبُتُ حَبْسٌ يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى شَطْرِهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَلَيْسَ هَذَا عَمَلًا عَلَى وَفْقِ الْحُجَّةِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا لَكِنَّ مُحَمَّدًا أَخَذَ بِهِ لِقُوَّتِهِ وَإِذَا وَقَعَ بَاطِلًا فَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا فَإِنْ أَرَّخَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوَّلًا وَكَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَحَقَّ.
(وَلَوْ) كَانَ هَذَا (بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ) أَيْ لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ رَهَنَهُ عِنْدَهُ وَقَبَضَهُ (قَبْلًا وَيُحْكَمُ بِكَوْنِ الرَّهْنِ مَعَ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بَدَلٌ مِنْ الرَّهْنِ (رَهْنًا بِحَقِّهِ) أَيْ بِحَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ هُوَ الْحَبْسُ فِي الْحَيَاةِ وَلَيْسَ لِلشُّيُوعِ وَجْهٌ هُنَا بِخِلَافِ الْمَمَاتِ إذْ بَعْدَهُ لَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ إلَّا الِاسْتِيفَاءَ بِأَنْ يَبِيعَهُ فِي الدَّيْنِ شَاعَ أَوْ لَمْ يَشِعْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْطُلُ هَذَا قِيَاسًا لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنِّصْفِ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْحَيَاةِ لِلشُّيُوعِ وَكَذَا فِي الْمَمَاتِ لَهُ وَفِي التَّنْوِيرِ أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ لِيَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا دَفَعَ ثَوْبَيْنِ فَقَالَ خُذْ أَيَّهمَا شِئْت رَهْنًا بِكَذَا فَأَخَذَهُمَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا رَهْنًا قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَهُمَا.

.بَاب الرَّهْن يُوضَع عِنْد عَدْل:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْكَامِ الرَّاجِعَةِ إلَى نَفْسِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحْكَامَ الرَّاجِعَةَ إلَى نَائِبِهِمَا وَهُوَ الْعَدْلُ لَمَّا أَنَّ حُكْمَ النَّائِبِ أَبَدًا يَقْفُو حُكْمَ الْأَصْلِ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ هَهُنَا مَنْ رَضِيَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُعْتَبَرَاتِ قَيْدًا آخَرَ حَيْثُ قَالَ وَرَضِيَا بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا هُوَ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَرِضَاهُمَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْكَافِي لَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ مَا لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فَحَسْبُ.
(وَلَوْ اتَّفَقَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ عَدْلٍ صَحَّ) وَضْعُهُمَا (وَيُتِمُّ) الرَّهْنُ (بِقَبْضِ الْعَدْلِ) هَذَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعَدْلَ يَمْلِكُهُ عِنْدَ الضَّمَانِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَنْعَدِمُ الْقَبْضُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى قُلْنَا يَدُهُ يَدُ الْمُرْتَهِنِ فَيَصِحُّ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ لِلرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الرَّهْنِ (مِنْهُ) مِنْ الْعَدْلِ (بِلَا رِضَى الْآخَرِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ حِفْظًا وَاسْتِيفَاءً فَلَا يُبْطِلُ كُلُّ وَاحِدٍ حَقَّ الْآخَرِ (وَيَضْمَنُ) الْعَدْلُ قِيمَةَ الرَّهْنِ (بِدَفْعِهِ إلَى أَحَدِهِمَا) لِأَنَّهُ مُودِعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودِعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ وَالْمُودَعُ إذَا دَفَعَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ وَلِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ يَدْفَعُ مِلْكَ الْغَيْرِ إلَى الرَّاهِنِ تَبْطُلُ الْيَدُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَذَلِكَ تَعَدٍّ (وَهَلَاكُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْعَدْلِ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَالِيَّةُ هِيَ الْمَضْمُونَةُ.
(فَإِنْ وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ أَوْ غَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ الْعَدْلِ وَالْمُرْتَهِنِ (بِبَيْعِهِ) أَيْ بِبَيْعِ الرَّهْنِ (عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ) صَحَّ التَّوْكِيلُ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِلْكُهُ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ شَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ بِبَيْعِ مَالِهِ مُعَلَّقًا وَمُنْجَزًا فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِهِ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ فَبَاعَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ أَمْرَهُ وَقَعَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ وَقْتَ الْأَمْرِ فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا وَقَالَا يَصِحُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَقْتَ الِامْتِثَالِ.
(فَإِنْ شُرِطَتْ) الْوَكَالَةُ (فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لَا يَنْعَزِلُ) الْوَكِيلُ (بِالْعَزْلِ) أَيْ عَزْلِ الرَّاهِنِ بِدُونِ رِضَى الْمُرْتَهِنِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالْمَرْهُونِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَوْ وُكِّلَ بَعْدَ الرَّهْنِ انْعَزَلَ بِالْعَزْلِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الصَّحِيحُ.
أَنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ انْعَزَلَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَلَا) يَنْعَزِلُ أَيْضًا (بِمَوْتِ الرَّاهِنِ أَوْ) بِمَوْتِ (الْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ الْمَشْرُوطَةَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ صَارَتْ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ فَيَلْزَمُ بِلُزُومِ أَصْلِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ يَقْتَضِي جَوَازَ عَزْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّ اللُّزُومَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْقَبْضِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةُ ثَابِتَةً فِي ضِمْنِ عَقْدِ الرَّهْنِ فَزَوَالُهَا يَكُونُ فِي ضِمْنِ زَوَالِهِ أَيْضًا تَدَبَّرْ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الرَّهْنِ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ (بِغَيْبَةِ وَرَثَتِهِ) أَيْ وَرَثَةِ الرَّاهِنِ كَمَا كَانَ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَنْ يَبِيعَهُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الرَّاهِنِ (وَتَبْطُلُ) الْوَكَالَةُ (بِمَوْتِ الْوَكِيلِ) فَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ رَأْيَهُ لَا بِرَأْيِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ الْوَصِيِّ إذَا قَالَ الرَّاهِنُ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَجَزْت لَك مَا صَنَعْت فِيهِ مِنْ شَيْءٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَصِيَّ الْوَكِيلِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لِلُزُومِ الْوَكَالَةِ كَالْمُضَارِبِ إذَا مَاتَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ يَمْلِكُ وَصِيُّ الْمُضَارِبِ بَيْعَهَا.
(وَلَوْ وَكَّلَهُ) أَيْ الْعَدْلُ (بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا مَلَكَ بَيْعَهُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ فَلَوْ نَهَاهُ) أَيْ الْعَدْلُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَوْكِيلِهِ مُطْلَقًا (عَنْ بَيْعِهِ نَسِيئَةً لَا يُعْتَبَرُ نَهْيُهُ) لِأَنَّهُ لَازِمٌ بِأَصْلِهِ فَكَذَا بِوَصْفِهِ وَكَذَا لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ أَوْ ارْتِدَادِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَوْ بَطَلَ إنَّمَا كَانَ يَبْطُلُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى حَقِّ الرَّاهِنِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُفْرَدَةِ حَيْثُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَتَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَلَا يَبِيعُ الرَّاهِنُ وَلَا الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِلَا رِضَى الْآخَرِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالرَّهْنِ كَمَا بَيِّنَاهُ (فَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَالرَّاهِنُ) أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (غَائِبٌ) وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يَبِيعَهُ (أُجْبِرَ) بِالِاتِّفَاقِ (الْوَكِيلُ عَلَى بَيْعِهِ) أَيْ الرَّهْنِ بِأَنْ يَحْسِبَهُ الْقَاضِي أَيَّامًا فَإِنْ لَجَّ بَعْدَ الْحَبْسِ أَيَّامًا فَالْقَاضِي يَبِيعُ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ تَعَيَّنَتْ لِأَنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ صَارَ حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ إيفَاءً لِحَقِّهِ بِخِلَافِ سَائِرِ أَمْوَالِ الْمَدْيُونِ وَقِيلَ لَا يَبِيعُ كَمَا لَا يَبِيعُ مَالَ الْمَدْيُونِ عِنْدَهُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ الرَّاهِنُ لَمْ يُجْبَرْ الْوَكِيلُ بَلْ أُجْبِرَ هُوَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ثُمَّ إنَّ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ بِهَذَا الْإِجْبَارِ لِأَنَّهُ إجْبَارٌ بِحَقٍّ فَصَارَ كَلَا إجْبَارَ وَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ سَلَّطَ الْعَدْلَ عَلَى الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ قَبْلَ ذَلِكَ (كَمَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ عَلَيْهَا) أَوْ عَلَى الْخُصُومَةِ (عِنْدَ غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ) أَيْ إذَا وَكَّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا بِخُصُومَتِهِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فَغَابَ الْمُوَكِّلُ وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ.
عَلَى الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ خَلَّى سَبِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ وَكِيلَهُ يُخَاصِمُهُ فَلَا يُمْكِنُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْتَنِعَ كَمَا فِي الْكَافِي وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمَتْنِ بِخِلَافِهِ تَدَبَّرْ وَفِي الْبُرْجَنْدِيِّ وَالْخِلَافُ فِي إجْبَارِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ كَالْخِلَافِ فِي إجْبَارِ الْوَكِيلِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يُجْبَرُ إذَا وَكَّلَهُ بِقَضَائِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مَنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ انْتَهَى.
(وَكَذَا يُجْبَرُ) عَلَى بَيْعِهِ (لَوْ شَرَطَ) الْوَكَالَةَ (بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ فِي الْأَصَحِّ) وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ عَلَى الْبَيْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ أَيْ يُجْبَرُ سَوَاءٌ شَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (الْعَدْلُ فَثَمَنُهُ) أَيْ ثَمَنُ الرَّهْنِ (قَائِمٌ مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ الرَّهْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَقْبُوضًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا وَهُوَ الرَّهْنُ (وَهَلَاكُهُ) أَيْ هَلَاكُ الثَّمَنِ أَوْ تَوِيَ عَلَى الْمُشْتَرِي (كَهَلَاكِهِ) أَيْ الرَّهْنِ فَيَسْقُطُ بِقَدْرِهِ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الرَّهْنِ بَلْ إلَى قِيمَةِ الثَّمَنِ خَصَّ الْعَدْلَ بِالذِّكْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِ الْمَرْهُونِ كَانَ الْحُكْمُ أَيْضًا كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ (فَإِنْ أَوْفَاهُ) أَيْ الثَّمَنَ بَعْدَ بَيْعِ الْعَدْلِ الرَّهْنَ الْمُرْتَهَنَ فَاسْتَحَقَّ الرَّهْنَ (وَكَانَ هَالِكًا) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الرَّاهِنَ) قِيمَةَ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ بِالْأَخْذِ (وَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ) أَيْ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ دَيْنِهِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِ نَفْسِهِ (أَوْ) ضَمَّنَ الْمُسْتَحَقَّ (الْعَدْلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ (ثُمَّ الْعَدْلُ) عَلَى تَقْدِيرِ تَضْمِينِهِ (مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ (وَيَصِحَّانِ) أَيْ الْبَيْعُ وَقَبْضُ الرَّهْنِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعَدْلِ بِشَيْءٍ بِدَيْنِهِ (أَوْ) ضَمِنَ (الْمُرْتَهِنُ ثَمَنَهُ) الَّذِي أَدَّاهُ إلَيْهِ لِظُهُورِ أَخْذِهِ الثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ (وَهُوَ) أَيْ الثَّمَنُ (لَهُ) أَيْ لِلْعَدْلِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَإِنَّمَا أَدَّاهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَكُنْ الْعَدْلُ رَاضِيًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ (وَيُبْطِلَ الْقَبْضَ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ) لِأَنَّ الْعَدْلَ إذَا رَجَعَ بَطَلَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى رَاهِنِهِ بِدَيْنِهِ ضَرُورَةً.
(وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (أَخَذَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (الْمُسْتَحَقَّ) مِنْ مُشْتَرِيهِ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ (وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَدْلِ بِثَمَنِهِ) لِكَوْنِهِ عَاقِدًا فَحُقُوقُ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ (ثُمَّ) يَرْجِعُ (هُوَ) أَيْ الْعَدْلُ (عَلَى الرَّاهِنِ بِهِ) أَيْ بِثَمَنِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الْعُهْدَةِ بِتَوْكِيلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ (وَصَحَّ الْقَبْضُ) أَيْ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ لِأَنَّ مَقْبُوضَهُ سُلِّمَ لَهُ (أَوْ) يَرْجِعُ الْعَدْلُ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ) بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّاهُ إذْ بِانْتِقَاضِ الْعَقْدِ يَبْطُلُ الثَّمَنُ وَكَذَا يُنْتَقَضُ قَبْضُهُ بِالضَّرُورَةِ (ثُمَّ) يَرْجِعُ (الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ) لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ وَانْتَقَضَ قَبْضُهُ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ هَذَا عَلَى اشْتِرَاطِ التَّوْكِيلِ أَمَّا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الرَّهْنِ لَا خِيَارَ لِلْعَدْلِ وَعَنْ هَذَا قَالَ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّوْكِيلُ مَشْرُوطًا فِي الرَّهْنِ يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ فَقَطْ) لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ سَوَاءٌ (قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ ثَمَنَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ) كَمَا إذَا بَاعَ الْعَدْلُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ وَضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَرْهُونُ وَضَمِنَ الْعَدْلُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ.
(وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ فَلِلْمُسْتَحَقِّ أَنْ يُضَمِّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ) إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ (وَيَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا) بِدَيْنِهِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَّكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَصَحَّ الْإِيفَاءُ.
(وَ) إنْ شَاءَ (أَنْ يُضَمِّنَ الْمُرْتَهِنَ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ أَيْضًا بِالْقَبْضِ (وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ الَّتِي ضَمِنَهَا لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ.
(وَ) يَرْجِعُ (بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ انْتَقَضَ قَبْضُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ قِيلَ لَمَّا كَانَ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَرَارُ الضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ يُقَالُ لَمَّا كَانَ رُجُوعُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ الْمِلْكُ بِالرُّجُوعِ مُتَأَخِّرًا عَنْ عَقْدِ الرَّهْنِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ.